فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم

ولدت الزَّهراء قبل بعثة النبي ( وعمره حينئذ خمس وثلاثون ) ؛ وذلك في يوم التحكيم عند إعادة بناء الكعبة، يوم أخمد النبي ( بحكمته وفطنتة نار الحرب بين قريش المتنازعة حول من يضع الحجر الأسود المقدس في مكانه ؛ فقد بسط رداءه، ووضع فيه ذلك الحجر وطلب من زعماء القبائل أن يمسك كل منهم بطرف الرداء ثم وضعه بيده الشريفة في مكانه.)
وقد شهدت السيدة فاطمة منذ طفولتها أحداثًا جسامًا كثيرة، فقد كان النبي ( يصلى يومًا بالكعبة وبعض سفهاء قريش جالسون، فانبعث شقى من أشقياء القوم فأتى بأحشاء جزور فألقاها على رسول الله ( وهو ساجد، فلم يزل ساجدًا حتى جاءت فاطمة فأزالت عنه الأذى. كما كانت أم جميل - امرأة أبى لهب- تلقى الأقذار أمام بيته فيزيلها في هدوء ومعه فاطمة تحاول أن تعيد إلى المكان نظافته وطهارته. وكان من أشد ما قاسته من آلام في بداية الدعوةذلك الحصار الشديد الذي حوصر فيه المسلمون مع بني هاشم في شعب أبى طالب ، وأقامواعلى ذلك ثلاثة سنوات ، فلم يكن المشركون يتركون طعاما يدخل مكة ولا بيعا إلا واشتروه ، حتى أصاب التعب بني هاشم واضطروا إلى أكل الأوراق والجلود ، وكان لا يصل إليهم شيئا إلا مستخفيا، ومن كان يريد أن يصل قريبا له من قريش كان يصله سرا.
وقد أثر الحصار والجوع على صحة فاطمة فبقيت طوال حياتها تعاني من ضعف البنية، ولكنه زادها إيمانا ونضجا . وما كادت الزهراء الصغيرة تخرج من محنة الحصار حتى فوجئت بوفاة أمها خديجة - رضي الله عنها - فامتلأت نفسها حزنا وألما،ووجدت نفسها أمام مسؤوليات ضخمه نحو أبيها النبي الكريم، وهو يمر بظروف قاسية خاصة بعد وفاة خديجة رضي الله عنها وعمه أبى طالب. فما كان منها إلا أن ضاعفت الجهد وتحملت الأحداث في صبر ، ووقفت إلى جانب أبيها لتقدم له العوض عن امها الغاليه واكرم الزوجات ولذلك كانت تكنى بأم أبيهاومن القابها :
1. الزهراء: لأنها كانت بيضاء اللون مشربة بحمرة زهرية. 
2. البتول: لأنها كانت متبتلة إلى الله أي منقطعة له و لعبادته ؛ فيقال مريم البتول و فاطمة البتول. 

هجرتها


هاجرت الزهراء إلى المدينة وهى في الثامنة عشرة من عمرها وكانت معها أم كلثوم، وكان ذلك في السنة الأولى من الهجرة.

زواجها

تزوجها الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ذي القعدة أو قُبيله من سنة اثنتين بعد وقعة بدر ( قاله الذهبي ) . وقال ابن عبد البر : دخل بها بعد وقعة أُحد ، فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب .

صداقها


أصدق عليّ رضي الله عنه فاطمة درعه الحُطمية . فأي خير بعد ذلك في التفاخر بكثرة الصداق ؟ وأي خير في غلاء المهور ؟ وهل نساء الدنيا أجمع خير أم فاطمة ؟

خدمتها في بيت زوجها


كانت فاطمة رضي الله عنها تعمل في بيت زوجها ، حتى أصابها من ذلك مشقّة . قال عليّ رضي الله عنه : شَكَتْ فاطمة رضي الله عنها ما تلقى من أثر الرّحى ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم سبي ، فانطلقت فلم تجده ، فوجدت عائشة فأخبرتها ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبت لأقوم ، فقال : " على مكانكما " ، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري ، وقال : " ألا أدلكما على خير مما سألتماني ؟ إذا أخذتما مضاجعكما تكبران أربعا وثلاثين ، وتسبحان ثلاثا وثلاثين ، وتحمدان ثلاثا وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم ". رواه البخاري ومسلم .
فإذا كان هذا هو حال سيدة نساء العالمين ، فما في حياة الترف خير .. 

من فضائلها


روت عن أبيها صلى الله عليه وعليها وسلم. وروى عنها ابنها الحسين وعائشة وأم سلمة وأنس بن مالك وغيرهم ، وروايتها في الكتب الستة . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحبها ويكرمها ويُسرّ إليها . ومناقبها غزيرة ، وكانت صابرة ديّنة خيرة صيّنة قانعة شاكرة لله .
وقد غضب لها النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أبا الحسن همّ بما رآه سائغا من خطبة بنت أبي جهل فقال : " والله لا تجتمع بنت نبي الله وبنت عدو الله ، وإنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها " . رواه البخاري ومسلم .
فترك عليٌّ الخطبة رعاية لها ، فما تزوّج عليها ولا تسرّى ، فلما توفيت تزوج وتسرّى رضي الله عنهما ، ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حزنت عليه وبكته وقالت : " يا أبتاه إلى جبريل ننعاه . يا أبتاه أجاب ربا دعاه . يا أبتاه جنة الفردوس مأواه ". وقالت بعد دفنه : " يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ "
وقد قال لها في مرضه صلى الله عليه وسلم: " إني مقبوض في مرضي هذا . فبكت وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به ، وأنها سيدة نساء هذه الأمة ". فضحكت ، وكتمت ذلك فلما توفي صلى الله عليه وسلم سألتها عائشة فحدثتها بما أسرّ إليها .
وقالت عائشة رضي الله عنها : اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يُغادر منهن امرأة ، فجاءت فاطمة تمشي كان مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " مرحبا بابنتي " . فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم أنه أسرّ إليها حديثاً ، فبكت فاطمة ، ثم إنه سارّها ، فضحكت أيضا . فقلت لها : " ما يبكيك ؟ "، فقالت : " ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم " . فقلت : ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن . فقلت لها حين بَكَتْ : " أخصّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين " ، وسألتها عما قال ، فقالت : " ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم "، حتى إذا قُبض سألتها ، فقالت إنه كان حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة ، وأنه عارضه به في العام مرتين ، ولا أراني إلا قد حضر أجلي ، وإنك أول أهلي لحوقاً بي ، ونعم السلف أنا لك ، فبكيت لذلك ، ثم إنه سارّني ، فقال : " ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة "، فضحكت لذلك . رواه البخاري ومسلم .
وكان عليه الصلاة والسلام يقوم لها وتقوم له ، ويُقبّلها وتُقبّله رضي الله عنها .

حياؤها رضي الله عنها


قالت فاطمة رضي الله عنها لأسماء بنت عميس رضي الله عنها : " إني أستقبح ما يصنع بالنساء ، يُطرح على المرأة الثوب فيصفها ". قالت : " يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة ؟ "، فَدَعَتْ بجرائد رطبة ، فَحَنَتْها ، ثم طرحت عليها ثوباً . فقالت فاطمة : " ما أحسن هذا وأجمله ، إذا متّ فغسليني أنت وعلي ، ولا يدخلن أحد عليّ " . قال ابن عبد البر : " هي أول من غُطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة ".

فاطمة رضي الله عنها وميراث أبيها


قال الإمام الذهبي رحمه الله : ( ولما توفي أبوها تعلقت آمالها بميراثه ، وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر الصديق ، فحدّثها أنه سمع من النبي يقول : " لا نورث ما تركنا صدقة "، فَوَجَدَتْ عليه ، ثم تعللت ). انتهى كلامه رحمه الله .
وحدّث الشعبي قال : لما مرضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن ، فقال عليٌّ : " يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك "، فقالت : " أتحبّ أن آذن له ؟ "، قال : " نعم ". فأذِنَتْ له ، فدخل عليها يترضّاها ، وقال : " والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت ". قال : ثم ترضّاها حتى رضيت . رواه البيهقي في الكبرى وفي الاعتقاد .

وفاتها


لم يطل مرض الزهراء رضي الله عنها الذي توفيت فيه ، ولم يطل مقامها في الدنيا كثيرا بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم،وقد اختلفت الروايات في تحديد تاريخ وفاتها،فقيل في الثالث من جمادى الآخرة سنة عشرة للهجرة وقيل توفيت لعشر بقين من جمادى الآخرة،أما الأرجح فإنها توفيت ليلة الثلاثاء يوم الاثنين من شهر رمضان سنة إحدى عشرة من الهجرة . وتوفيت وهي بنت تسع وعشرين سنة .
عن الحسن (عليه السلام) ان علياً غسل فاطمة (عليها السلام) وعن علي انه صلى على فاطمة وكبّر عليها خمساً ودفنها ليلاً. مرضت فاطمة (عليها السلام) مرضاً شديداً ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى ان توفيت (صلوات الله عليها فلما نعيت اليها نفسها دعت أم ايمن واسماء بنت عميس ووجهت خلف علي واحضرته و قالت : يابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني فقال (عليه السلام) : معاذ الله أنت اعلم بالله وأبر واتقى واكرم واشد خوفاً من الله والله جددت علي مصيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد عظمت وفاتك وفقدك فانا لله وانا اليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها هذه والله مصيبة لا عزاء لها ثم بكيا ساعة وأخذ عليُّ رأسها وضمها إلى صدره ثم قال أوصيني بما شئت فاني اختار امرك على امري قالت اوصيك اولاً:
ان تتزوج بعدي بابنة اختي امامة فانها تكون لولدي مثلي وان تتخذ لي نعشاً رأيت الملائكة صوروا صورته قال صفيه لي فوصفته له فاتخذه لها وهو أول نعش عمل على وجه الارض ثم قالت : اوصيك ان لا يشهد احد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني واخذوا حقي فانهم عدوي وعدوّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا تترك ان يصلي عليّ احد منهم، وادفني في الليل اذا هدأت العيون ونامت الابصار ثم توفيت (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد ان دفن الزهراء (سلام الله عليها) من كلامٍ له مخاطباً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
السلام عليك يا رسول الله عني و عن ابنتك و زائرتك والبائنة في الثرى ببقعتك، و المختار الله لها سرعة اللحاق بك. اُختلف في وفاة الصديقة فاطمة (عليها السلام) على أقوال:
1 ـ انها بقيت بعد أبيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خمسة وسبعين يوماً وهو المشهور.
2 ـ أنها بقيت اربعون يوماً.
3 ـ توفيت لثلاث خلون من جمادى الآخرة أي انها بقيت بعد أبيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثلاثة أشهر ، وهناك أقوال اخرى.